محاضرة علوم الحاسب الأولى - كيف تعد طبقا من المعكرونة!

 

هناك من المواقف الحياتية التي لا نستطيع نسيانها ربما لأنها مؤثرة أو غريبة أو مجنونة أو لتقليل التعداد ووصولا للب المعنى المطلوب، هي المواقف التي ترافقها مشاعر قوية ، أليس كذلك؟ 

واحدة من تلك المواقف أو الذكريات بالنسبة لي كانت محاضرتي العملية الأولى في تخصص علوم الحاسب! لا لم تكن عن واجهة البرنامج الذي سنستخدمه، أو شرح عن كيفية كتابة نص برمجة للمبتدئين أمثالنا بل كانت عن كيفية صنع طبق من المعكرونة! يبدو الأمر جنونيا بعض الشيء، بالتأكيد تماما وليس بعض الشيء! 

إن هذا المقرر كان مقرري الأول في التخصص وكان مليئا بالأحداث التي يمكن تدوينها ابتداء من المحاضرة الأولى.

حينها طلبت المعلمة من كل طالبة أن تقوم بذكر خطوة واحدة تحدث عند طبخ المعكرونة، والترتيب مهم ويحدث فارقا، بطبيعة الحال! فأنت لن تقوم بتقديم المعكرونة قبل سلقها مثلا! إلا إن كانت لديك مشكلة ما مع الطبخ، فأنصحك بحلها لأن هذا القدر من العلم مطلوب في المطبخ، الطبخ ثم التقديم! 

معمل الحاسب في ذاك اليوم وحسبما أذكر كان ممتلئا وكان على كل طالبة أن تتحدث عن خطوة ما، تحضير المكونات، وضع الماء على النار، إضافة الملح ، انتظار الماء ليغلي، وإلخ..

لقد كان واجبا ذكر كل خطوة وبترتيب منطقي وإلا كان على الطالبة أن تدخل في نقاش مع المعلمة عن لماذا اخترتي هذه الخطوة وقد يصبح جدلا، وهذا الأمر سيكون حتما ليس مرغوبا فنحن خجولين جاهلين قليلا وهذه مرتنا الأولى فمن المبكر الدخول في نقاشات لا طائل لها مثل لماذا نطبخ صلصة المعكرونة قبل طبخ المعكرونة أصلا!

خرجت من تلك المحاضرة وأنا ممتلئة بمشاعر عدة، مثلا حماسي لإخبار صديقاتي من التخصصات الأخرى عما حدث، ومصدومة قليلا من غرابة ما حدث، في الثانوية كانت الحصة تطابق المقرر فلم يسبق لي تعلم كيفية طبخ المعكرونة في مقررات الحاسب التي أخذتها في سنواتي الدراسية المدرسية!

إن هذا المشهد أخذ وقتا طويلا حتى ينتهي لم تكن ثوان، أيها القارئ العزيز قد تتساءل عن مدى جنون ما حدث، أو قد تكون لبيبا كفاية وتفهم ما كان هدف المعلمة من كل هذا دون شرح. 

عندما كنت أحدث صديقاتي كنت متحمسة وأخبرهم أن هذا حتما شيئا تريده إيصاله إلينا حتى لا ننساه أبدا نعم أسلوبها غريب جدا ولكن أعجبني كذلك! في حين شرحها لكل هذا لخصت ما حصل أن في كتابة البرامج هناك أمور أساسية يجب أن تتوافر فيه وهناك أمور إضافية لا ضرر من تركها وعدم كتابتها وأن الترتيب هو أمر مهم حقا وحتما!

ربما يتبادر في ذهنك، كان من الممكن اختصار الكثير من الوقت إن ذكرت هذه العناصر الأساسية مباشرة دون كل هذا، إنها إضاعة وقت! 

فأرد عليك في هذه الحالة: حينها كنا فقط في الخطوة الأولى لهذا الطريق الغير منتهي، الرتابة في إعطاء المعلومة في هذه الخطوة ستكون شيئا باردا مخيفا ومنفرا، نعم لسنا أطفالا حتى لا نفهم إن كانت قالتها مباشرة ولكن هذه المعلومات التي أعطيت لنا بهذه الطريقة ستصمد مع الكثير منا طويلا وربما تلك المحاضرة كانت سببا في كسر الرهبة التي يمتلئ بها كثير ممن يكونون في خطاهم الأولى في تخصصاتهم الجامعية، وفوق كل ذلك أعطتنا ذكريات مختلفة ومميزة نستطيع الحديث عنها عند تخرجنا، ألا تعتقد ذلك؟

هل صادفتك ذكريات شبيهة؟ أو هل تبادر إلى ذهنك موقف معين مر معك عند قراءة هذا؟ إن كنت لا تمانع مشاركته، فاتركه لي في التعليقات، سأحب بالتأكيد أن أقرأ منك كما تقرأ لي!

دمت بخير دائما!