نزيف داخلي

"سبب الوفاة: نزيف داخلي."

هذا ما كُتِب على الورقة المرمية في أحد أروقة المستشفى ، الذي يعمه السكون والهدوء.. 

إن هذه الورقة  تقرير وفاة وقع من أقارب المتوفى وهم في عجلة من أمرهم..وهم في حالة هستيرية.. بل وهم في حالة صدمة ولكن على التصرف المنطقي أن يكون سيد الموقف ، فوفاة شخص ما لن توقف سير العالم وعلى الجميع أن يتبع القوانين ويتم إجراءات المستشفى حتى لو توفى المريض! وسيعودون للبحث عن الورقة على أي حال لإكمال الإجراءات.

كان اسمها ليلى ، وقد كانت فتاة عادية في معايير العالم، شخص بين المليار نسمة، أما ما كانت عليه حقا عالم بأكمله! أو ليس الحق لكل واحد منا أن يكون عالما بأكمله؟  

ليالي ليلى كانت كما اسمها ليالي طويلة شديدة الظلام وإن كانت إنارة العالم كله تقبع في غرفتها، فما يفيد الضوء لو كان مصدر الظلام داخلي ومعزول عن كل شيء؟ 

ليلى كانت تعيش كما كل شخص آخر تتحدث مع الآخرين .. تضحك لنكاتهم .. تغضب إذا ضايقها أحدهم وتعطف إذا كان هناك من يشعر بالألم..

ولكن خلف ذلك كله كان هناك ألم عميق تداخل مع شرايين قلبها وتأصل كما جذور شجرة عمرها 100 عام..

إن ذلك الألم لم يكن وليد التو واللحظة إنما غرس بعد ألم موجع وكان البذرة الأولى وسُقي بالآلام الصغيرة لاحقا حتى أصبح من الصعب التخلص منه ، كما لو أن الألم والحزن أمسوا جزءا من ليلى..

 ومع ذلك ليلى لم ترد أن تكون نهاية قصتها بائسة حتى لو كان هذا يعني أن تصارع نفسها مرارا وتكرارا..حتى لو هذا يعني أن تكون نجمة صغيرة ساطعة في وسط المجرة من الأفكار القاتمة بداخلها.

لقد كانت تواجه صعوبة في مواجهة العالم كل يوم وكل ليلة ولكن هل للعالم أن يقف من أجلها لبرهة؟ ولأن الإجابة بكل بساطة لا ، كافحت من أجل البقاء وعاشت كما يعيش الجميع ، وخرجت للعمل حتى وهي في أشد حالاتها ألما وتعبا ، حتى وهي تشعر بعدم الانتماء لأي مكان، وتصرفت كأي شخص آخر ، أتمت عملها على أكمل وجه، مازحها الآخرون وجاملتهم براحبة صدر..وحظيت بنصيب من الدردشات القصيرة مع زميلات العمل من حين لآخر ولكن ما لم تكن تعرفه أنه في هذه الأثناء بدأ الظلام ينتشر في كل جزء داخلها..

خرجت من العمل وتوفيت بحادث سير في طريق العودة إلى المنزل وكان سبب الوفاة الطبي نزيف داخلي ، ولكن ليلى الوحيدة التي شعرت وتعرف أنها ماتت قبل ذلك بنزيف داخلي ولكن كان من نوع آخر..

تعليقات